فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)}.
قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً}: فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّ {ضَرَبَ} متعديةٌ لواحدٍ، بمعنى: اعتمد مثلًا، ووضَعَه، و{كلمةً} على هذا منصوبةٌ بمضمرٍ، أي: جعل كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبة، وهو تفسيرٌ لقوله: {ضَرَبَ الله مَثَلًا} كقولك: شرَّفَ الأميرُ زيدًا ساه حُلَّة، وحمله على فرس، وبه بدأ الزمخشري. قال الشيخ: وفيه تكلُّفُ إضمار لا ضرورةَ تدعو إليه. قلت: بل معناه إليه فيُضطرُّ إلى تقديرِهِ محافظةً على لَمْح هذا المعنى الخاصِّ.
الثاني: أنَّ {ضَرَب} متعديةٌ لاثنين لأنها بمعنى صَيَّر، لكنْ مع لفظ المَثَل خاصة، وقد تقدَّم تقريرُ هذا أولَ هذا الموضوعِ، فتكون {كلمةً} مفعولًا أولَ، و{مَثَلًا} هو الثاني، فيما تقدَّم.
الثالث: أنه متعدٍّ لواحدٍ وهو {مَثَلًا} و{كلمةً} بدلٌ منه، و{كشجرةٍ} خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي كشجرةٍ طيبةٍ، وعلى الوجهين قبله تكون {كشجرةٍ} نعتًا ل {كلمة}.
وقُرِئ {كلمةٌ} بالرفع، وفيها وجهان. أحدهما: أنها خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو، أي: المَثَلُ كلمةٌ طيبةٌ، {كشجرةٍ} على هذا نعتًا لكلمة. والثاني: أنها مرفوعةٌ بالابتداء، و{كشجرةٍ} خبرُه.
وقرأ أنس بن مالك {ثابتٍ أصلُها}. قال الزمخشري: فإن قلت: أيُّ فرقٍ بين القراءتين؟ قلت: قراءةُ الجماعةِ أقوى معنىً؛ لأنَّ قراءةَ أنسٍ أُجْرِيَتِ الصفةُ على الشجرة وإذا قلت: مررتُ برجلٍ أبوه قائمٌ فهو أقوى مِنْ برجل قائمٍ أبوه لأنَّ المُخْبَرَ عنه إنما هو الأبُ لا رجل.
والجملةُ مِنْ قوله: {أصلُها ثابتٌ} في محلِّ جرّ نعتًا لشجرة.
{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)}.
{تؤتي أُكُلَهَا}: ويجوز فيهما أَنْ تكونا مستأنفتين. وجوَّز أبو البقاء في {تُؤْتي} أن تكونَ حالًا من معنى الجملة التي قبلها، أي: ترتفع مُؤْتِيَةً. وتقدَّم الخلاف في {أُكُلَها} بالنسبة إلى القرَّاء.
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}.
وقُرِئ {ومَثَلَ} بنصب {مثلَ} عطفًا على {مثلَ} الأول، و{اجْتُثَّتْ} صفةٌ لشجرة. ومعنى {اجْتُثَّتْ}: بَلَغَتْ جُثَّتَها، أي: شخصَها، والجُثَّةُ: شَخْصُ الإِنسانِ قاعدًا ونائمًا يقال: اجْتَثَثْتُ الشيءَ، أي: اقتَلَعْتُ، فهو افتِعال من لفظ الجُثَّة، وجَثَثْتُ الشيءَ: قَلَعْتُهُ. قال لقيط الإِيادي:
هو الجَلاءُ الذي يَجْتَثُّ أصلَكُمُ ** فَمَنْ رَأَى مثلَ ذا يومًا ومَنْ سَمِعا

وقال الراغب: جُثَّة الشيءِ شَخْصُه الناتِئُ، والمَجَثَّةُ: ما يُجَثُّ به، والجَثِيْثَة: لِما يأتي جُثَّته بعد طَحْنه، والجَثْجاث نَبْتٌ.
و{مِنْ قَرار} يجوز أن يكونَ فاعلًا بالجارِّ قبلَه لاعتمادِه على النفي، وأن يكونَ مبتدأً. والجملةُ المنفيَّةُ: إمَّا نعتٌ لشجرة وإما حالٌ مِنْ ضميرِ {اجْتُثَّتْ}.
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)}.
قوله تعالى: {بالقول}: فيه وجهان، أحدُهما: تعلُّقُه ب {يُثَبَّتُ}. والثاني أنه متعلقٌ ب {آمنوا}.
قوله: {في الحياةِ} متعلِّقٌ ب {يُثَبَّتُ}، ويجوز أن يتعلَّقَ بالثابِتِ. اهـ.

.تفسير الآيات (28- 30):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر سبحانه أنه هو الفاعل وحده، أتبعه الدليل عليه إضلال الذين بدلوا الكلمة الطيبة من التوحيد بالإشراك وزلزلتهم واجتثاث كلمتهم فقال: {ألم تر} وأشار إلى بعدهم عن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: {إلى الذين بدلوا} والتبديل: جعل الشيء مكان غيره {نعمت الله} أي المستجمع لصفات الكمال التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد، وما أورثهم من دين أبيهم إسماعيل عليه السلام ومن جميع النعم الدنيوية من أمن البلد وتيسير الرزق وغير ذلك، بأن جعلوا مكان شكرها {كفرًا} وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم هممًا في الوفاء، وأبعدهم عن الخناء {وأحلوا قومهم} بذلك {دار البوار} أي الهلاك، مع ادعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلًا عن الأهل، روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة.
والبوار: الهلاك الزائد، والإحلال: جعل الشيء في محل، فإن كان جوهرًا فهو إحلال مجاورة.
وإن كان عرضًا فهو إحلال مداخلة.
ولما أفاد أنها مهلكة، بينها بما يفهم أنها تلقاهم بالعبوسة كما كانوا يلقون أولياء الله من الرسل وغيرهم بذلك فقال: {جهنم} حال كونهم {يصلونها} أي يباشرون حرها مع انغماسهم فيها بانعطافها عليهم؛ ولما كان التقدير: فبئس الإحلال أحلوه أنفسهم وقومهم، عطف عليه قوله: {وبئس القرار} ذلك المحل الذي أحلوهم به.
ولما كان هذا الفعل من لا عقل له، بينه بقوله: {وجعلوا لله} الذي يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا في رزقهم لان له الكمال كله {أندادًا} وقال: {ليضلوا} أي بأنفسهم على قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ويعموا غيرهم على قراءة الباقين {عن سبيله} لأنهم إن كانوا عقلاء فإنهم يعلمون أن هذا لازم لفعلهم فهم قاصدون له، وإلا فلا عقول لهم، لأنه لا يقدم على ما لا يعلم عاقبته إلا أبله، وهم يقولون: إنهم أبصر الناس قوبًا، وأصفاهم عقولًا.
وأنفذهم أفكارًا، وأمتنهم آراء، فمن ألزم منهم بطريق النجاة ومن أحذر منهم لطرق الهلاك؟ مع ما أوقعوا أنفسهم فيه من هذا الداء العضال.
ولما تقرر أنهم على الضد من جميع ما يدعونه فكانوا بذلك أهلًا للإعراض عنهم، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمعرض أن يقول: فماذا أفعل بهم وقد أمرتني بإخراجهم إلى صراطك؟ أمره أن يدق أعناقهم بإخبارهم أن ما أضلهم من النعم إنما هو استدراج، فقال: {قل} أي تهديدًا لهم فإنهم لا يشكون في قولك وإن عاندوا: {تمتعوا} وبالغوا في فعل البهائم مهما قدرتم، فإن ذلك ضائركم غير نافعكم {فإن مصيركم} أي صيرورتكم {إلى النار} بسبب تمتعكم على هذا الوجه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}.
اعلم أنه تعالى عاد إلى وصف أحوال الكفار في هذه الآية فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَتَ الله كُفْرًا} نزل في أهل مكة حيث أسكنهم الله تعالى حرمه الآمن وجعل عيشهم في السعة وبعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا قدر هذه النعمة، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنواعًا من الأعمال القبيحة.
النوع الأول: قوله: {بَدَّلُواْ نِعْمَتَ الله كُفْرًا} وفيه وجوه: الأول: يجوز أن يكون بدلوا شكر نعمة الله كفرًا، لأنه لما وجب عليهم الشكر بسبب تلك النعمة أتوا بالكفر، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلًا.
والثاني: أنهم بدلوا نفس نعمة الله كفرًا لأنهم لما كفروا سلب الله تلك النعمة عنهم فبقي الكفر معهم بدلًا من النعمة.
الثالث: أنه تعالى أنعم عليهم بالرسول والقرآن فاختاروا الكفر على الإيمان.
والنوع الثاني: ما حكى الله تعالى عنهم قوله: {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار} وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور، ومنه قوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] وأراد بدار البوار جهنم بدليل أنه فسرها بجهنم فقال: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار} أي المقر وهو مصدر سمي به.
النوع الثالث: من أعمالهم القبيحة قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفرًا ذكر أنهم بعد أن كفروا بالله جعلوا له أندادًا، والمراد من هذا الجعل الحكم والاعتقاد والقول، والمراد في الأنداد الأشباه والشركاء، وهذا الشريك يحتمل وجوهًا: أحدها: أنهم جعلوا للأصنام حظًا فيما أنعم الله به عليهم نحو قولهم هذا لله وهذا لشركائنا.
وثانيها: أنهم شركوا بين الأصنام وبين خالق العالم في العبودية.
وثالثها: أنهم كانوا يصرحون بإثبات الشركاء لله وهو قولهم في الحج لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
المسألة الثانية:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لِيُضِلُّواْ} بفتح الياء من ضل يضل والباقون بضم الياء من أضل غيره يضل.
المسألة الثالثة:
اللام في قوله: {لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ} لام العاقبة لأن عبادة الأوثان سبب يؤدي إلى الضلال ويحتمل أن تكون لام كي، أي الذين اتخذوا الوثن كي يضلوا غيرهم هذا إذا قرئ بالضم فإنه يحتمل الوجهين، وإذا قرئ بالنصب فلا يحتمل إلا لام العاقبة لأنهم لم يريدوا ضلال أنفسهم.
وتحقيق القول في لام العاقبة أن المقصود من الشيء لا يحصل إلا في آخر المراتب كما قيل أول الفكر آخر العمل.
وكل ما حصل في العاقبة كان شبيهًا بالأمر المقصود في هذا المعنى، والمشابهة أحد الأمور المصححة لحسن المجاز، فلهذا السبب حسن ذكر اللام في العاقبة، ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} والمراد أن حال الكافر في الدنيا كيف كانت، فإنها بالنسبة إلى ما سيصل إليه من العقاب في الآخرة تمتع ونعيم، فلهذا المعنى قال: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} وأيضًا إن هذا الخطاب مع الذين حكى الله عنهم أنهم بدلوا نعمة الله كفرًا، فأولئك كانوا في الدنيا في نعم كثيرة فلا جرم حسن قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} وهذا الأمر يسمى أمر التهديد ونظيره قوله تعالى: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وكقوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار} [الزمر: 8]. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرًا}.
فيهم خمسة أقاويل:
أحدهما: أنهم قريش بدلوا نعمة الله عليهم لما بعث رسوله منهم، كفرًا به وجحودًا له، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثاني: أنها نزلت في الأفجرين من قريش بني أميه وبني مخزوم فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر، قاله عليٌّ، ونحوه عن عمر رضي الله عنهما.
الثالث: أنهم قادة المشركين يوم بدر، قاله قتادة.
الرابع: أنه جبلة من الأيهم حين لُطم، فجعل له عمر رضي الله عنه القصاص بمثلها، فلم يرض وأنف فارتد متنصرًا ولحق بالروم في جماعة من قومه، قاله ابن عباس. ولما صار إلى بلاد الروم ندم وقال:
تنصَّرت الأشْرافُ من عار لطمةٍ ** وما كان فيها لو صبرت لها ضَرَرْ

تكنفني منها لجاجٌ ونخوةٌ ** وبعث لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليتني أرْعَى المخاض ببلدتي ** ولم أنكِرِ القول الذي قاله عمر

الخامس: أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.
ويحتمل تبديلهم نعمة الله كفرًا وجهين:
أحدهما: أنهم بدلوا نعمة الله عليهم في الرسالة بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنهم بدلوا نعم الدنيا بنقم الآخرة.
{وأحلوا قومهم دار البوار} فيها قولان:
أحدهما: أنها جهنم، قاله ابن زيد.
الثاني: أنها يوم بدر، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد. والبوار في كلامهم الهلاك، ومنه قول الشاعر:
فلم أر مثلهم أبطال حربٍ ** غداة الحرب إن خيف البَوارُ

. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا} الآية،
هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا، والتقدير: بدلوا شكر نعمة الله كفرًا، وهذا كقوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82].
و{نعمة الله} المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه، أنعم الله به على قريش، فكفروا النعمة ولم يقبلوها، وتبدلوا بها الكفر.
والمراد ب {الذين} كفرة قريش جملة- هذا بحسب ما اشتهر من حالهم- وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين. وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب: أنها نزلت في الأفجرين من قريش: بني مخزوم وبني أمية. قال عمر: فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر. وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وقال ابن عباس: هذه الآية في جبلة بن الأيهم.
قال القاضي أبو محمد: ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة.
وقوله: {وأحلوا قومهم} أي من أطاعهم، وكان معهم في التبديل، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام، و{البوار} الهلاك، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
يا رسول المليك إن لساني ** فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور

قال الطبري: وقال هو وغيره: إنه يروى لابن الزبعرى، ويحتمل أن يريد ب {البوار}: الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله: {جهنم يصلونها}، يحترقون في حرها ويحتملونه، ويحتمل أن يريد ب {البوار}: الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون الدار قليب بدر ونحوه. وقال عطاء: نزلت هذه الآية في قتلى بدر.
قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله: {جهنم} نصبًا، على حد قولك: زيدًا ضربته، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر.
و{القرار}: موضع استقرار الإنسان، و{أندادًا} جمع ند وهو المثيل والمشبه المناوىء والمراد الأصنام.
واللام في قوله: {ليضلوا}- بضم الياء- لام كي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {ليَضلوا} بفتح الياء- أي هم أنفسهم- فاللام- على هذا- لام عاقبة وصيرورة وقرأ الباقون {ليُضلوا}- بضم الياء- أي غيرهم.
وأمرهم بالتمتع هو وعيد وتهديد على حد قوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] وغيره. اهـ.